CMC ـ غرفة أخبار الجندر ـ مفيد الغيلاني:

“عندما لم تكن هناك حرب لم تسِر الحياة على ما يُرام، ثم جاءت الحرب وتضاءلت فرص الحياة السويّة، ومع انتشار جائحة كورونا أصبحت الحياة جحيما لا يُطاق”.

بهذه الجمل المنسوجة من خيوط الوجع والمُضمّدة بعقار العُنف، تسرد منى (اسم وهمي) ذات الـ29 عاماً من مدينة تعز غرب اليمن تفاصيل قصة طلاقها بعد معاناة من حياة زوجية قاسية لتسع سنوات، قائلة: “زُوّجت برجل لا أعرفه، وقد اختارته لي العائلة”.

منى واحدة من ضحايا العادات والأعراف الخاطئة التي لا تختار فيها الفتاة شريك حياتها، بل تختاره لها العائلة، ولا يحقّ لها الرفض، وإلا ستظل بقية عمرها عانساً من دون زوج.

 الصمت مقابل العنف

تعرّضت منى للعُنف الزوجي بشكلٍ متفاوت، غير أنّها التزمت الصمت واختارت المحافظة على بيتها وعلى عائلتها المكوّنة من ولد وبنت.

تذكر منى لـ “غرفة أخبار الجندر ” أنّها كانت تتعرّض لإهانات شبه يوميةٍ؛ لأنّ زوجها صار عاجزًا عن توفير القات والدخان بعد أن أصبح عاطلًا عن العمل بسبب الحرب، وتؤكد أنّ الأمر يتعدى السب والشتم أحيانًا إلى الضرب”.

وتبرّر منى صمتها بمحاولتها الحفاظ على بيتها، وإصلاح زوجها برغم مرور 10 سنواتٍ على زواجها، ولتتجنّب أيضا ما قد ينتج عن ذلك من مشاكل بين أهل زوجها وأهلها الذين سبق أن اعتدوا عليه بالضرب، بسبب ما تعرضت له ابنتهم، كما أنّ خروجها من بيت زوجها -بحسب الأعراف- يُعدّ عيبًا كبيراً.

ومما يفاقم مشكلة العنف الأسري في اليمن أنه يُعد شأنًا عائليًا خاصًا. فالاستطلاع الذي أجراه الباروميتر العربي في الفترة 2018-2019 أظهر أن حالات العنف الأسري في اليمن بلغت نحو 26%، ونسبة كبيرة منهن 74% يلجأن إلى قريبات أو أقارب لهن طلبًا للمساعدة.

 كورونا حرب أخرى

حرب أكثر شراسة من المعارك في الميدان، حرب تدور في الظل، ليس بوسعك ملاحظتها للوهلة الأولى، لكن ستقرأها في ملامح الناس وقلقهم اليومي، ومع بداية فصل جديد من موجة الوباء سترى كيف تتجلّى صورة هذه الحرب.

أستاذ علم الاجتماع المساعد بجامعة تعز، الدكتورة ذكرى العريفي، تؤكد في حديث لـ “غرفة أخبار الجندر” أن كوفيد-19 ألقى بظلاله على ما أصبح يُعرف بـ” جائحة قتل الإناث”، وما يتصل بها من عنف قائم على النوع الاجتماعي ضدّ النساء والفتيات، مشيرة إلى أن دراسة أممية حديثة توقّعت فقدان 700 ألف امرأة عربية لوظائفهن بسبب كوفيد-19.

 

هروب لم يكتمل بعد

بصوت متهدج توضح منى أن زوجها كان يعمل بالأجر اليومي في العاصمة صنعاء، وكان اعتماده الأساسي على ما يرفده به أبوه المغترب في السعودية لتغطية مصاريف الحياة اليومية، لكن بسبب توقف العمل والظروف المأساوية التي يعيشها المغتربون اليمنيون في السعودية نتيجة قرار السلطات فرض رسوم وغرامات إضافية، وحالة الطوارئ ومنع التجول في إطار الإجراءات التي تتخذها لمكافحة فيروس كورونا – كل ذلك ألحق أضرارا بالغة بعائلتها، وباتت هي تواجه عنفًا عائليا يوميًا، وهو ما اضطرها إلى مغادرة المنزل برفقة ابنتها من دون ابنها الأكبر.

غادرت منى المنزل تاركة ابنها الأكبر ذا السبع سنوات، وقبل أن تتقدم برفع قضيتها إلى المحكمة كان زوجها قد سبقها بتقديم ورقة الطلاق إلى مشرف أنصار الله (الحوثيين) في المنطقة، وبذلك طويت قصة 9 سنوات من الوجع والعنف والحرمان، كما تقول.

 

تضاعف حالات العنف والطلاق

تشير بيانات منظمة الصحة العالمية في 2020م إلى تزايد وتيرة العنف ضدّ النساء خلال كوفيد-19، وتؤكّد البيانات أنّ المكالمات الواردة إلى خطوط المساعدة المعنية بالعنف العائلي تزايدت وتيرتها خلال انتشار جائحة كورونا، مرجّحة أن تؤدّي التدابير المتخذة للتصدي للجائحة، إلى زيادة مخاطر تعرّض النساء والفتيات للعنف، إضافة إلى أنّ بقاء النساء داخل بيوتهن مع شركاء عنيفين ممن قد يستغلّون قيود كوفيد-19 لممارسة المزيد من السيطرة على شريكاتهم.

وبحسب دراسة نشرت مؤخرًا على موقع UNwomen التابع للأمم المتحدة فقد تعرّضت 243 مليون امرأة وفتاة (تتراوح أعمارهن بين 15 و49 عامًا) في جميع أنحاء العالم للعنف الجنسي أو الجسدي من قبل شريك حميم. ومع استمرار جائحة كوفيد-19، من المرجح أن يزداد هذا الرقم مع تأثيرات متعدّدة على رفاهية المرأة، وصحتها الجنسية والإنجابية، وصحتها العقلية، وقدرتها على المشاركة والقيادة في تعافي مجتمعاتنا واقتصادنا.

مسؤول الرصد باتحاد نساء اليمن فرع تعز، رغدة المقطري، أكدت في حديثه، لـ “غرفة أخبار الجندر” أن نسبة حالات الطلاق والفسخ وصلت خلال العام الماضي إلى مستويات مثيرة للقلق، جرّاء تردي الوضع الاقتصادي وعدم قدرة كثير من أرباب الأسر على تحمل النفقات خلال فترة كورونا التي خلّفت، بحسبها، واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في اليمن.

وعن أسباب ارتفاع معدّلات العنف خلال ملازمة كلٍّ من الزوج والزوجة البيت، أوضحت أستاذ علم الاجتماع المساعد بجامعة تعز الدكتورة، ذكرى العريفي، أن الحجر الصحي وإغلاق المدارس والقيود الأخرى المفروضة على الحركة للحد من انتشار فيروس كورونا، أسهمت في زيادة حدة العنف القائم على نوع الجنس، وخاصة العنف المنزلي وعنف الزوج. وتؤكّد أن ارتفاع معدّل العنف الأسري يُعزى إلى التعايش القسري بين المرأة والرجل، وتفاقم الضغوط الاقتصادية، وانعدام الأمن الغذائي، والقلق من الإصابة بفيروس كورونا.

 

غياب القانون والمساحات الآمنة

في السياق نفسه يرى صادق السامعي (محامٍ يمني) أن تزايد حالات العنف تتفاقم يومًا بعد آخر بسبب غياب القوانين التي تحمي المرأة من العنف وإغلاق مراكز الإيواء والمساحات الآمنة المتخصّصة بتقديم خدمات المساعدة للضحايا، ويعتقد السامعي أن وجود قانون خاص يحمي المرأة من العنف، وتوفُّر مراكز إيواء للنساء المُعنّفات، وتفعيل دور الشرطة النسائية التي يمكنها التعامل مع ضحايا العنف من النساء– كل ذلك سيحد من توسع دائرة الطلاق والعنف ضد المرأة.

شاهد الفيديو المرفق:

https://www.youtube.com/watch?v=A5sgBdvbVkg&feature=emb_logo

تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع غرفة أخبار الجندر الذي ينفذه مركز الإعلام الثقافي CMC.. وتم نشر المادة على موقع المشاهد:

 

https://almushahid.net/77953/