CMC ـ غرفة أخبار الجندر:
عدن ـ نور سريب:

تميّزت المرأة بإثبات بصمتها في مختلف مجالات الحياة على مدى عملها في مرحلة اليمن الجنوبي، فقد كان حضور النساء في قطاع الأمن يأتي في إطار المشاركة الطبيعية والحقوق المتساوية بين المواطنين، ومع دمج اليمنين الشمالي والجنوبي عام 1990م، احتاجت الدولة الجديدة التي تمنع فيها العادات والتقاليد رجل الأمن من ممارسة مهامه الأمنية الكاملة حينما يتعلق الأمر بالأسرة اليمنية والمرأة بشكل خاص، ومع بدء إعادة تمكين النساء في قطاع الأمن والشرطة، ومع أول دفعة للشرطة النسائية من مختلف المحافظات عام 1999م، انطلقت النساء إلى الميدان لبدء عملهن الأمني، وكان أمامهن تحديات كبيرة.

الرائد صمود عبد اللاه صالح محمد اليافعي، أو كما يعرّفها الضباط والأفراد في عموم شرطة عدن “الفندم صمود اليافعي”، شابة تخرّجت من مدرسة الشرطة في أول دفعة تلقت التدريب والتأهيل اللازمين، وقد حصلت على دبلوم كلية الشرطة بتقدير امتياز وبكالوريوس محاسبة مالية من جامعة عدن، وتبوّأت عدة مناصب، وقد بلغ إجمالي خدمتها إلى اليوم 22 عاما.

بداية الرحلة

التحقت “اليافعي” بالسلك العسكري في أواخر عام 1999م بعد التخرج من الثانوية العامة، وكانت ضمن الفتيات المقبولات في مدرسة تدريب أفراد الشرطة، وهي أول دفعة للشرطة النسائية؛ إذ تجمع فتيات من جميع المحافظات اليمنية، وقد استمرت هذه الدفعة في الدراسة لمدة 6 أشهر، وقد اشتملت على تدريبات ميدانية وعسكرية والرماية وضرب النار، واشتملت على دراسة مجموعة هامة من المواد والقوانين المتعلقة بعلوم الشرطة، وقد تعرفت الفتيات من خلالها على أهم حقوق رجل الشرطة وواجباته.

تقول صمود اليافعي: “تخرجت الدفعة في فبراير من عام 2000م، وبعدها بشهر التحقنا بالعمل الميداني في المحافظات، وكان التوزيع على المنافذ البحرية والبرية والجوية وإدارات الشرطة في جميع المحافظات، وجاء توزيعي في مكتب مدير الأمن حينها في محافظة عدن”.

عملت صمود إداريةً في مكتب السكرتارية في مكتب مدير أمن عدن، وبعدها رُقّيت إلى رئيس قسم الصياغة والطباعة في المكتب نفسه. استمرت بالعمل في مكتب مدير الأمن لـ 8 سنوات تقريبًا. خلال تلك الفترة التحقت بجامعة عدن كلية العلوم الإدارية- تخصص محاسبة مالية لإكمال دراستها الجامعية في مساق البكالوريوس. وتضيف صمود: “كانت حياتي جهادا بين عملي في الفترة الصباحية بمكتب مدير أمن عدن من الساعة السابعة صباحًا حتى الساعة 2 الثانية ظهرًا، وبين الذهاب للدراسة مساءً في كلية العلوم الإدارية التعليم الموازي من 4 الرابعة عصرًا حتى 8 الثامنة مساءً”.

وما إن فُتح باب التسجيل في كلية الشرطة للقسم الخاص بالجامعيين، حتى كانت صمود من الطالبات اللاتي قُبلن للدراسة في الكلية والبالغ عددهن 42 شرطية، وتخرّجت برتبة ملازم ثاني من كلية الشرطة القسم الخاص “جامعيين” بعد عام كامل من التدريبات الميدانية والدراسة المكثفة للمواد والقوانين، وكُلّل ذلك بحصولها على تقدير امتياز بين أوائل الدفعة.

العمل في غرفة المراقبة

في عام 2009م عادت صمود اليافعي للعمل في إدارة أمن عدن تزامنا مع الدوري الرياضي الخليجي الذي تقرر إقامته في عدن “خليجي 20″، وقد عُينت رئيسة غرفة الرقابة المرئية الـ CC TV في عمليات أمن عدن.

تقول صمود لغرفة الجندر: “كانت أياما لا تنسى؛ فبعد عملي في غرفة الرقابة المرئية، حُولتُ وعُينتُ رئيسةً لقسم السكرتارية في إدارة شؤون الأفراد بأمن عدن، وأتبع ذلك تكليفي نائبا لمدير إدارة شؤون الأفراد، ومن بعدها أُصدر أمر رسمي بتعييني نائبة لمدير شؤون الأفراد”.

وتضيف: “بعد عدة سنوات عُينتُ مديرةً لإدارة شؤون الأفراد بأمر إداري من مدير أمن عدن. وبعدها أصدر الأخ وزير الداخلية قرارا بتعييني بهذا المنصب الذي ما زالت أشغله منذ سبع سنوات”.

22 عاما من الخدمة الأمنية

بلغت سنوات خدمة الرائد صمود اليافعي ما يقارب اثنين وعشرين عامًا، تقلدت فيها مهاما عدة، وشاركت في عدد من اللجان الأمنية في أمن عدن، ومنها لجان الاستلام والتسليم بين مدراء الأمن ولجنة الرقابة والانضباط للنزول والتعقيب على فروع المصالح والإدارات والمناطق الأمنية ومراكز الشرطة في المحافظة، وأصبحت عضوا في المجلس التأديبي بشرطة محافظة عدن، وعضوا في صندوق التكافل الاجتماعي بشرطة محافظة عدن.

التحديات

كانت التحديات كبيرة منذ اللحظة الأولى التي قرّرت فيها صمود الالتحاق بكلية الشرطة، إلا أن والديها كانوا الداعمين الرئيسيين لها، مما جعلها تتجاهل التنمر وتجتاز العقبات التي لاحقتها بسبب قرارها. لم يكن الأمر مرحبا به في المجتمع المحلي حينها؛ فتجربة إشراك النساء في السلك الأمني كانت تحظى بتشويش كبير ورفض ممزوجين بتحريض بعض تيارات الإسلام السياسي، إلا أن الضرورة ملحة، وحاجة الدولة للنساء أصبحت كبيرة مع تنامي وظهور جرائم كبيرة تُمرّر بواسطة النساء لصعوبة تعامل رجال الشرطة مع النساء المشتبه بهن.

تحكي صمود: “مع بداية تفعيل الشرطة النسائية كانت شريحة واسعة من المجتمع تجد العمل في السلك الأمني أمرا يقلّل من قيمة المرأة، وكان الإقبال على الالتحاق بمدرسة الشرطة محدودا. واجهتني في مسيرة حياتي الشرطوية مضايقات ومماحكات غير مسؤولة من قادة وزملاء، ومن ذلك النظرة الدونية للمرأة التي تشغل منصب مدير إدارة بحجم إدارة القوى البشرية في إدارة الأمن، والتي يعدّها البعض حكرًا على الرجل. كما واجهت مواقف عديدة تعكس الاستهانة بإمكانية المرأة، وبحكم خبرتي العملية في قطاع الأمن تمكّنت من إثبات وجودي في العمل”.

وتضيف: “اليوم اختلف الأمر، فقد عكست النساء الأوائل صورة رائعة عن الشرطة النسائية ودورها وأهميتها، وهذا ما أثبتته الأعداد الهائلة التي التحقت بالقطاع الشرطوي النسوي؛ فستجدين اليوم شابات من مختلف التخصّصات ويحملن شاهدات جامعية ويعملن في السلك الأمني”.

وعن عملها القيادي تقول: “في إطار عملي مديرةً لأحد أهم الإدارات في شرطة العاصمة المؤقتة عدن، يأتي أهمية التعاون والشراكة مع غيرنا من القادة والزملاء في حلّ بعض القضايا والإشكاليات التي تخصّ ضباط وأفراد الشرطة والأخذ برأيهم ومشاركتهم القرار وخلق نوع التكاتف واللحمة للأخذ بحقوق ضباطنا وأفرادنا، وهذا الأسلوب المرن يجعلهم يتقبّلون توجيهاتنا وتعليماتنا بصدر رحب ومن دون أن يبدو أي معارضة أو امتعاض، إلا أن قلة قليلة من الزملاء، ويكادون يعدون على أصابع اليد، لا تروق لهم تنفيذ توجيهاتنا وإجراءاتنا الإدارية الصارمة، فيلجؤون إلى اختلاق المشاكل والتحايل عبر أساليب أخرى، وبالأخير يُفرض عليهم التنفيذ بموجب توجيهات عُليا من الأخ مدير عام الشرطة”.

وتضيف في شرح تفاصيل المشكلات: “لقد كان بعض الزملاء في البداية متقبلين وجودنا وعملنا إلى جانبهم، وخصوصا أن وجودنا كان يخفف عليهم كثيرا من الأعباء والمسؤوليات الملقاة على عاتقهم، إضافةً إلى بعض الإحراجات التي يتعرضون لها لإتمام معاملات النساء في بعض الأمور؛ مثل التفتيش وكشف الوجه وغيرها، وهذا فيما يخصّ الشرطيات العاملات في المنافذ الحيوية، وأما فيما يتعلق بعملنا السابق ذي الطابع الإداري البحت في مكتب مدير شرطة محافظة عدن، فقد كانت البداية جيدة وممتازة، ولكن سرعان ما بدأت المضايقات التي تعرضت لها عندما رُفّعتُ إلى رئيسة قسم، وذلك بعد التخرّج من الدراسة الجامعية وأخذ دورات عديدة في مجال الحاسوب واللغة الإنجليزية، وغيرها من الدورات الأخرى. بدأت المضايقات والمماحكات غير المسؤولة من بعض الزملاء. كانوا يرفضون أن تكون رئيسة القسم امرأة، وبعد التعيين الرسمي وقرار وزير الداخلية بتعييني مديرا لإدارة شؤون الأفراد زادت المضايقات والمؤامرات والمناكفات، وكان هذا الأمر دافعًا وحافزًا لي للمضي قدمًا بخُطى ثابتة، وكنت واثقة بأنني أعمل في الطريق الصحيح رغم الشعور بالإحباط الذي كان يعتريني بين فترة وأخرى، وما أزال مستمرة حتى يومنا هذا، وقد كسبت احترام وتقدير القيادة التي عملت معها والتي أعمل معها الآن وتقدير كثير من زملائي وأخوتي من الضباط والأفراد في شرطة محافظة عدن مع استمرار بعض المضايقات التي اعتدت التعامل معها والتغلّب عليها”.

وتضيف: “رسالتي لكل النساء: لا يوجد أمر صعب. مع التأهيل والتعلّم تتاح كل المجالات للنساء، ولكن يجب على النساء أن يصلن إلى مرحلة الريادة في العمل، ومهما كانت الصعوبات، فيجب على المرأة أن تكون قوية وصاحبة عزم، وعليها أن تقرر أن تكمل طريقها؛ لأن حلاوة النجاح تنسينا كل المرارة التي وجدناها في إحدى اللحظات الصعبة”.

اليوم تُعدّ الرائد صمود اليافعي مثالا إيجابيا للنساء اللاتي تمكنّ من الوصول إلى مراكز حساسة وصعبة، على الرغم من أن الوضع المحلّي اليمني يحول أمام طموح النساء في التمكين والوصول إلى مراكز صناعة القرار.

 * تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع غرفة أخبار الجندر الذي ينفذه مركز الإعلام الثقافي CMC.. وتم نشر المادة على موقع  الوطن توداي :

https://alwatanalyoum.net/posts/9143