CMC ـ غرفة أخبار الجندر ـ عدن:

روان عادل (21 عاما) فتاة عدنية، رسامة موهوبة وطالبة في الصحافة والإعلام – جامعة عدن. من بين كثير من المبدعات اليمنيات اللاتي وارتهن الحرب وغمرتهن الأحداث المتضاربة. برزت موهبة روان في مرحلة مبكرة وبمستوى فني رفيع بلغ اهتمام المعهد التقني للفنون في العاصمة اللبنانية “بيروت”، إلا أن مكانة هذه الموهبة لم تظهر في الوسط الثقافي والفني على المستوى المحلي إلا في مرحلة متأخرة وبمجهود ذاتي، نتيجة لعدم اهتمام وسائل الإعلام بهذا الفن وانشغالها بمجريات الواقع بتبايناته السياسية والاقتصادية.

بدأت تجليات موهبة الرسم عند روان في سنوات مبكرة من عمرها وفي المراحل الدراسية الأولى.

شعرت بميولها للرسم آنذاك من خلال متابعتها لبرامج الأطفال واندفاعها لرسم شخصياتها الكرتونية، فكانت بداية موفقة لرسم تلك الشخصيات بالصورة التي تبدو عليها تماما. استمرّت على هذا المنوال لسنوات طوال، واستمرت موهبتها تنمو وتكبر معها، وقد لحظت ذلك التطور الذي دفعها لصقل موهبتها في رسماتها التي أخذت تتشكل بملامحها البشرية أكثر مما كانت تبدو عليه شخصيات أفلام الكرتون.

بلغت روان الثامنة عشر من عمرها لتخوض بذلك تجربة أخرى في الرسم “الرسم بالرصاص”، وعن هذه التجربة تحكي روان: “لم تكن بداياتي الأولى في الرسم بالرصاص موفقة بالشكل الذي وددته. هذا ما دفعني لمتابعة رسامين عالميين وخلقَ داخلي شغفا في التعلم والدخول لهذا العالم بكل حماس”.

 

وقوف على ناصية الحلم

أخذ منها الشغف في الرسم مأخذا بسطت له روحها ودلفت تشقّ طريقها بكل طموح، فوجدت آثاره خارج حدود البلد. لم تكن محطتها التالية إلا تجليات لاحت بوارقها منذ الوهلة الأولى بعد دراستها أصول فن الرسم. كان عامها الأول حافلا بالتميز، فشهد لها أكاديميون وزملاء فنانون في المستوى الدراسي نفسه.

لم تكن الحرب في عام 2015 إلا منعطفا شاقا وعقبة شديدة التعقيد، ثنتها عن مواصلة الدراسة، ولكنها ورغم ذلك كانت قد بلغت مستوى احترافيا في الرسم جعلها من بين الرسامين الذين اعتنت بهم الجامعة، من خلال ربطهم بالمعهد التقني في بيروت، وقد أولاهم المعهد اهتماما مباشرا، بشراء لوحاتهم الفنية، ولاقت لوحات روان قبولا وتميزا في المعهد استمر إلى أن وقعت مأساة انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس العام الماضي.

عن القيمة الفنية التي مثلتها لوحات روان وجعلتها تستحق اهتمام المعهد التقني، علّق الرسام المصري أحمد عيسى بقوله: “أنا وروان من بين الرسامين الذين نرسم للمعهد التقني، ومستواها عال جدا، وتخطت الإبداع المألوف”، وأضاف: “مستوى روان جعلني أنا شخصيا أرجع إلى لوحاتها في سبيل تطوير لوحاتي”.

رسمت روان كثيرا من اللوحات بالمعايير المطلوبة لدى المعهد التقني في بيروت واعتمدها المعهد نماذج تعليمية يشتريها الهواة وكذلك المعاهد هناك، وفي الوقت نفسه كان الوسط الثقافي المحيط بها غائب تماما عن ذلك الإنتاج الفني.

وبعد أن حدّدت إحدى الشخصيات اليمنية “موديلا” لرسمها، ساعدها الأمر في نشر أعمال كثيرة. كان اليمني عماد الذيب موديلها في الرسم، وهو مَن ساعد على نشر تلك الأعمال بشكل واسع وبدافع نبيل، وهو تقدير الموهبة الثمينة والوقوف إلى جانبها. أوضح عماد في حديثه: “روان رسامة موهوبة بشكل فريد، وأسلوبها في الرسم دفعني لتعريف كثير على موهبتها، ولا أجد نفسي السبب في ظهور تلك الموهبة، بل إن الموهبة أظهرت نفسها بروعتها وتميزها”.

تسابق كثير من الناس لشراء لوحاتها، وتلقّت طلبات رسومات شخصية بأثمان تليق بمستواها الرفيع، وهو الأمر الذي استمرت عليه روان وتمضي به بالمستوى نفسه، وما الدهشة إلا انطباع أصيل يراود كلّ من وقعت عينه على لوحة من لوحاتها.

“الفيس بوك” نافذة الظهور

لم يكن لأحد أن يدرك هذه الموهبة ويلتمس نتاجها الفني الحافل؛ إذ إن واقعنا المحيط شهد كثيرا من الأحداث ابتداءً بالحرب وتبعاتها، وصولا إلى مآسي الأزمات الإنسانية المتوالية، والأزمات الصحية والأوبئة التي قاسى منها الجميع. هذا ما جعل وسائل الإعلام تصب اهتمامها في هذه الأزمات بعيدا عن هذا العالم.

وجدت روان مواقع التواصل الاجتماعي أقرب وسيلة لنشر إبداعها. ولم تكن صفحتها على موقع “فيس بوك” إلا صفحة محدودة بنشاط شخصي حتى التحقت بالجامعة في نهاية عام 2019 وبدأت بنشر رسوماتها التي لاقت ترحيبا واحتفاءً مشهودا.

“لسنوات طويلة لم تكن لديّ نوايا لنشر رسماتي في صفحتي بالفيس بوك، إلا بعد معرفتي بزملاء الجامعة شعرتُ برغبة في إطْلاعهم على بعض الرسمات التي أبقيتها في المنزل لهدف مجهول” هكذا عبرت روان عن تجربتها الفنية في مواقع التواصل الاجتماعي.

تمكنت روان عادل من احتواء موهبتها في محيط اجتماعي منحها التقدير وشحذ روحها بالعزيمة للمضي قدما، وعزز لديها إيمانها بنفسها. تقول مواصلةً: “حقيقةً، ذلك الشعور الذي شعرت به وأنا أقرأ ردود الناس على لوحاتي التي نشرتها، وتفاعلهم الواسع، هو الشعور الذي منحني القوة والحافز الكبير للرسم بكل ما أحمله من شعور”.

بذلك حققت نجاحا ملموسا في الواقع، حيث أثبتت نفسها رغم كل التحديات، وهذا ما يجعل مواقع التواصل الاجتماعي أبرز وسيلة لاحتواء المواهب ونشرها لا سيما أن وسائل الإعلام تغيب كثيرا عن مثل هذه المواهب، وتتسم بكثير من القيود والتعقيدات، على عكس مواقع التواصل الاجتماعي التي تمثل الفضاء الحرّ لكل من امتلك موهبة وسعى لنشرها بكل حرية ومن دون قيود، خصوصا المرأة التي تلاقي تهميشا في مختلف جوانب حياتها.

توضح الصحفية “رندا عكبور” مدير مكتب الثقافة في عدن: “إعلامنا وهمي، وموجّه بشكل كبير. لا يوجد إعلام متخصّص يهتم بالجوانب الفنية والثقافية، وهذا مؤسف ومحبط لكثير من المبدعين في هذا المجتمع”. وتضيف: “منذ سنوات وإمكانات مكتب الثقافة في عدن ضئيلة جدا، لا تتيح له القيام بأبسط المشاريع الثقافية والفنية، ونحن الآن نعمل على إعداد خطة للأنشطة الفنية التي سننفذها قريبا، في سبيل تنشيط الحركة الثقافية والفنية بعدن”.

لم تكن روان إلا واحدة من بين عشرات الفتيات اللاتي برزت مواهبهن في مواقع التواصل الاجتماعي بتميز ونجاح كاد يكون محالا في واقع تتشظى فيه المواهب لا سيما أن الروح التي تجسدها روح أنثى. إن العزيمة والإيمان بالذات هما ما حقق ذاك النجاح بأسمى صورة وأجل معنى.

 

تحديات

ينصهر كثير من المبدعين في حالة من التهميش، ويفتقدون البيئة التي يحلمون بها لاحتواء ابداعاتهم، والذين يستندون إلى بيئة خاصة يمثلها الأهل بعيدا عن إخفاقات الجهات المعنية في العناية بمواهبهم، وتردّي حال الوطن بشتى أركانه وزواياه. يمدون وطنهم بالنجاح رغم ما يمدهم به من إخفاق، وروان أنموذج بارز للفتاة اليمنية التي تخطّت صعاب الواقع وثقافة المجتمع التقليدي بنبوغ وامتياز يجسد الصورة البديعة للمرأة اليمنية التي تضع نفسها في مراتب متقدمة في شتى المحافل الفنية والعلمية العربية، رغم كل التحديات التي يراها كثير نهاية كل طموح.

وتضيف رندا عكبور: “نجاح روان ومثلها أي فتاة أخرى بهذه الصورة وفي ظلّ هذه الظروف المحبطة، يُعدّ نجاحا بارزا وعظيما يظهر مدى العزيمة والجهد الجبار اللذين بذلهما الفنان”.

إن روح الرسام مزيج من الألوان البديعة، تشكلها الطبيعة بما يحيط بها ويتواءم معها، فإذا كان هذا المحيط مضطربا تشوبه الفوضى، وتغيب عنه ملامح الحياة التي تتشكل منها روح الفنان، فليس لتلك الروح إلا الهزيمة، وليس لذلك الفنان إلا الضياع من دون أن يحمله إبداعه إلى أدنى مراتب التقدير، وإن مَن يظهر بنجاحه من بين ركام هذا الواقع بموهبة تطغى بجمالها على كل الصعاب، تتبسم الحياة له وتشير له بالبنان.

تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع غرفة أخبار الجندر الذي ينفذه مركز الإعلام الثقافي CMC.. وتم نشر المادة على عدن الغد:

https://m.adengad.net/news/535780/