CMC ـ غرفة أخبار الجندر ـ عبير عبدالله:
استبشرت “أحلام” البالغة من العمر 23 سنة بقرب خروجها من السجن بعد انتهاء قضاء محكوميتها البالغة خمس سنوات، لكن فرحة “أحلام” لم تكتمل بعد تخلي أسرتها عنها ورفض استلامها، لتظلّ خلف قضبان السجن بعد أن عجزت منذ القبض عليها عن الحصول على محام يدافع عنها ويترافع في قضيتها وينتصر لها.
وفي العرف القائم في المحاكم اليمنية تلزم أسرة السجينة القيام باستلامها بعد الإفراج عنها، لكن كثيراً من الأسر في المجتمع اليمني تحت ضغط الأعراف والشعور بالعار تتخلّى عن السجينة، وهو ما يضطر السلطات إلى إبقاء المُفرج عنها في السجن، أو تحويلها إلى مراكز الإيواء الخاصة بالنساء، وهي تُعدّ بمنزلة سجن آخر يتم فيه تقييد حرية السجينات المفرج عنهم، وذلك يجعل المُفرج عنها في حكم من يخرج من سجن ليدخل سجنا آخر.
وتُحوّل السجينات إلى دور الإيواء بحجة أن لا مكانَ آمنا لهن غيره، حيث يُعاد تأهيلهن ومحاولة دمجهن مجددا في المجتمع، فالمجتمع اليمني بثقافته وعاداته التقليدية يرفض السجينة ويراها وصمة عار لا تنمحي، على الرغم من أنه يتقبل السجين إن كان رجلا.
رفض استلام الأهالي للسجينات المُفرج عنهن
يذكر المُقدّم عصام سيف الكامل، مدير الإصلاحية المركزية بتعز، أن سجن النساء افتُتح بعد افتتاح السجن المركزي مباشرة، وأنهم في السجن واجهوا صعوبات عدّة، أبرزها رفض أهالي المفرج عنهن لاستلامهن بعد انقضاء فترة العقوبة في السجن، وهو ما جعل إدارة السجن تتواصل مع اتحاد نساء اليمن الذي قدّم جهدا كبيرا في هذا الجانب من خلال افتتاحه لدار الإيواء المخصص لاستقبال السجينات المُفرج عنهن، وتعليمهن وتأهيلهن لدمجهن في المجتمع بصورة أفضل، ويشير الكامل إلى أن الدار تقدم خدمات كبيرة للسجينات المفرج عنهن في مجال التدريب والتأهيل وفي مجال التعليم والتمكين الاقتصادي، ليكون لهنّ مورد اقتصادي مستقل يستطعن به أن يعتمدن على أنفسهن في مواجهة الحياة.
وبحسب إحصائيات السجن المركزي بتعز، في عام 2018 بلغ عدد السجينات 18 سجينة، والمفرج عنهن 9 سجينات، وفي عام 2019 بلغ عدد السجينات 42 سجينة، والمفرج عنهن 20 سجينة، وفي عام 2020 بلغ عدد السجينات 20 سجينة، والمفرج عنهن 39 سجينة، وفي عام 2021 (حتى شهر أبريل) بلغ عدد السجينات 3 سجينات، والمفرج عنهن سجينتان.
تذكر شادية راجح، مدير التنفيذ المركزي الحماية والتأهيل، أن المركز أُنشئ في العام 2020، وكان الغرض من إنشائه حماية النساء وتأهيل الفتيات، خصوصا اللواتي يتخلى عنهن أسرهن بعد خروجهن من السجون، وأنشئ هذا المركز بعد زيارات مستمرة من قبلنا في اتحاد نساء اليمن إلى السجن، وقد كنت ألحظ أن هناك نساء كثيرات لديهن أوامر إفراج، ولكن للأسف يظللن بالسجن، وكان ذلك يعود إلى رفض الأسرة للسجينة وبسبب مفهوم العار في العادات والتقاليد وبسبب التفكير الضيق لدى بعض الأسر المنصاع لتلك الرؤية، وهو ما اضطرنا إلى فتح هذا المركز، واستقبال هؤلاء الفتيات والنساء وتوفير المكان الآمن لهن، خصوصا أن كثيرا منهن لديهن أطفال، فنحتويهن مع أطفالهن في هذا المركز”.
وتضيف شادية أن الدار تقدّم خدماتها رغم الإمكانيات البسيطة؛ إذ فُتح المركز بجهود ذاتية، ولا يوجد أي دعم رسمي من أي منظمة مدنية محلية أو دولية، ومع ذلك يقوم المركز بتأهيل السجينات المفرج عليهن بالإمكانات البسيطة والمتوفرة ليقمن بمواجهة الصعوبات في الحياة، وليندمجن في المجتمع بحرفة تستطيع العيش منها”.
انتهاكات عديدة
يتعرض النساء السجينات في السجون الإصلاحية في اليمن لانتهاكات عدة؛ مثل الضرب والصفع والإهانة والتعذيب، وقد تزايدت هذه الانتهاكات وسط غياب منظمات المجتمع المدني وعجزها عن إيجاد حلول لتقديم يد العون لهن باعتبارهن من الفئات التي تحتاج إلى رعاية خاصة واهتمام أكثر داخل السجون.
تؤكد أمل الصَّبْري، محامية وناشطة حقوقية، أن النساء السجينات في المجتمع اليمني يتعرضن للإهانات، ويتعرضن لوصمة عار كبيرة سواء من قبل المجتمع أم الأسرة، فعندما تدخل المرأة إلى السجن يتخلى عنها الأهل ولا يقبلها المجتمع إطلاقا، وعندما تنتهي عقوبتها ويُفرج عنها تواجه تخلي الأسرة ورفض المجتمع، ولذلك يفضل بقاؤها في السجن خوفا من أن تتعرض للانتهاك في مجتمع رافض لها، فهناك قصور في التشريعات التي تحتاج إلى تعديلات تشريعية ليكون هناك نص خاص بالسجينات يلزم أسرهن باستلامهن بعد الافراج عنهن”.
وتضيف الصبري أن هناك ما هو أشبه بالعرف، وهو أنه لا يُفرج عن السجينة إلا بتسليمها لولي أمرها، لكن المأساة أن أغلب أولياء أمور السجينات يتبرؤون منهن، فتصبح المُفرج عنها حائرة لا تدري أين تذهب، وهناك تخوّف كبير من قبل الجهات الرسمية والجهات المختصة فيما يتعلق بالإفراج عن السجينات، ويفضلون بقاءهن في السجن حفاظا عليها من مجتمع رافض لها بسبب النظرة الدونية لهن على عكس السجناء الرجال، وقد تظل في السجن مدة أخرى أطول من المدة التي قضت فيه العقوبة، وهذا ظلم وإجحاف بحق المرأة المفرج عنها، ومن هنا جاءت الحاجة إلى دار الإيواء”.
وصمة عار
تعيش السجينات في اليمن واقعا أشبه بزنزانة تحكمها العادات والتقاليد الذي ترفض تقبُل السجينة وإعادة دمجها مجددا لتلاحقها وصمة العار حتى الممات وسط معاناة لا يرحمها المجتمع.
محمود البكاري، دكتور في علم الاجتماع، قال إن السجينة إنسان بالأساس، ويجب أن ينطبق عليها ما ينطبق على الرجل السجين، والمواطنون سواسية أمام القانون، وبالتالي يمكن أن تقع المرأة في خطأ معين ولا بد أن تخضع للقانون، وللأسف أصبحت المرأة اليوم فاقدة جزءا من حقوقها أو ما يمكن أن نسميه “الحقوق المدنية”، فيجب أن تظل حقوق المرأة قائمة وأن تتمتع بها السجينة، ضمن ما يسمى بحقوق الإنسان”.
ويرى البكاري أن نظرة المجتمع للسجينة نظرة تقليدية جائرة بحاجة إلى تهذيب، ويجب أن يتعامل المجتمع مع قضية السجينات بشكل إيجابي باعتبار أن المرأة أيضا قد تقع في الخطأ، ويجب خضوعها للقانون، ولا يمكن أن يكون هناك نظرة مبالِغة في خطأ المرأة ليكون بمنزلة إعدامها حيّةً. يجب على المجتمع أن يتعامل بإيجابية ونظرة إصلاحية مع قضايا السجينات، ويجب على منظمات المجتمع المدني أن تقوم بدور في التوعية بحق السجينات ومستقبلهن وحياتهن، وكيف يمكن تنمية الوعي الاجتماعي لأفراد المجتمع بهذا الخصوص، ويجب أن يكون هناك أيضا دور لمؤسسات المجتمع المدني في إصلاح وتهذيب وتقويم بعض السلوكيات الخاطئة في المجتمع، وهذا أيضا من ضمن ما يجب أن تطلع فيه التوعية في موضوع الحقوق والواجبات”.
ويشير البكاري إلى أن موضوع الحلول بشكل عام يجب أن يأتي من الدولة؛ إذ يجب أن تكون هناك ضمن مؤسسات الإصلاحية برامج تدريبية للمرأة حتى تكون قادرة على إعالة نفسها بعد الخروج من السجن، فلا تظل عالة على أحد، وهناك قضية هامة وخطيرة، وهي تخلي بعض الأسر عن السجينات، فمن الظلم الكبير الذي يقع على المرأة أن تتخلى الأسرة عن ابنتها لمجرد أنها دخلت السجن، لذا يجب تركيز كل الجهود لمعالجة هذه الظاهرة وإيجاد الحوافز التي تشجع المرأة المُفرج عنها لتكون عضوة صالحة ونافعة في المجتمع”.
وتبقى السجينات في اليمن ضحية أبدية داخل سجن كبير وضعتهن فيها التقاليد الاجتماعية التي تنظر للمرأة نظرة دونية، وتعتبرها جريمة وعار لا يمكن التطهر منه، ليضاف لذلك القوانين والتشريعات النافذة والتي تشترط تسليم السجينة لأولياء أمرها، وهي تشريعات لا تزال عاجزة حتى الآن عن توفير الحماية القانونية للسجينات ومنحهن حقوقهن المدنية والقانونية على اعتبار المساواة بين الجنسين أمام القانون، لتبقى هذه القضية من أبرز القضايا العالقة أمام ناشطات المجتمع اليمني في اليمن.
اضف تعليقا