CMC ـ غرفة أخبار الجندر ـ عبدالرزاق العزعزي:

اليد التي رفضت مصافحة يد فتاة أخرى خشية أن تنتقل إليها عدوى فيروسية، أصبحت الآن تمتد في مساعدة المصابين بفيروس كورونا. إنه تحوّل جذري في شخصية قبول التي لم تكن تكترث يومًا لمعاناة الآخرين لتغدو الآن عاملة في خدمة اللاجئين اليمنيين في مصر.

 

https://www.youtube.com/watch?v=K8xBVt9MgN0

تستذكر “قبول العبسي” نفسها كطفلة مدللة، مليئة بالغرور والتعالي على الآخرين، ولم تشعر أبدًا بالتعاطف تجاه أي حدث، تقول إنها بقيت كذلك حتى وفاة أختها، إذ اهتزت من الداخل بشدّة، وما فتئت أن تأقلمت مع الأمر، حتى اغتيل أخوها، لتتحول شخصية الفتاة إلى حد كبير.

في 22 ديسمبر 2016، استقبل الوسطين الصحفي والمدني في اليمن فاجعة رحيل الصحفي الاستقصائي محمد العبسي، لم تهز هذه الحادثة قبول فقط، بل هزت المجتمع اليمني برمته، وتحوّلت إلى قضية رأي عام.

كانت “قبول” قد استقبلت أخوها حين عاد إلى المنزل وأغلقت الباب خلفه وعادت إلى غرفتها، دقائق وسمعت صراخ زوجته ثم رأت محمد بحالة تشنّج غير سويّة مع وجود رغوة تخرج من فمه، استنجدت بالجيران وطلبت منهم مساعدتهم في نقله إلى المستشفى.

 

محمد العبسي – شقيق قبول، تم اغتياله في ديسمبر 2016

انطلق الرجال بسيارة، وانطلقت النساء بأخرى، وفي الطريق الذي بدا طويلًا على قبول، لم تكن لتعرف المصير الذي ينتظرها، وأن هذه اللحظة من شأنها أن تغيّر مسار حياتهم جميعًا إلى الأبد.

توفي محمد وطالبت حينها بتشريح الجثة، وضعتها هذه المطالبة محط أنظار البحث الجنائي الذي قال إنها تُخفي معلومات حول حادثة الاغتيال، ومنذ تلك اللحظة بدأت تتعرّض للكثير من المضايقات “اقتحام منزلها، مراقبة تحركاتها، تهديدات بالاعتداء الشخصي، اتصالات متكررة من البحث الجنائي، ومحاولة دهسها عمدًا بسيارة أحد قيادات الحوثيين المتورط بتهديدها مُسبقًا” كما تقول.

 

 قبول في مصر: من أين أبدأ؟
قبول عقب وصولها مصر – الصورة خاصة ل EOHM

قبول عقب وصولها مصر – الصورة خاصة ل EOHM

في 19 يوليو ٢٠١٨اضطرت قبول لمغادرة اليمن لتجد نفسها في بلد آخر، لا تعرف من أين تبدأ أو ماذا تفعل، أشار إليها آخرون لزيارة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وعرض قصتها عليهم.

حملت ملفًا يحوي أوراق تثبت وقائع التهديدات التي تعرّضت لها، لكنها قالت إنها لم تحصد سوى اللامبالاة، شعرت بالانزعاج من هذا، ولم تعرف أن ذلك بداية نشاطها داخل مصر. بحثت عن يمنيين في مصر زاروا المفوضية وسألتهم عن الحقوق التي حصلوا عليها، وأثناء بحثها وجدت ملتقى افتراضي لليمنيين في مصر على الفيس بوك، اتفقت مع مسئوليه على تنظيم العمل وإطلاق مبادرة تعمل على دراسة وضع اللاجئين وتقوم بتوعيتهم.

 

    الخِبرة السابقة قد تكون المُعين

هدفي أن أبني مدرسة للاجئين في مصر، والخدمات مجانية

حين كانت قبول في اليمن، عملت لدى منظمة مواطنة لحقوق الإنسان، وكانت قد واصلت حلم “محمد” في العمل على مؤسسة قرار للإعلام والتنمية المستدامة التي أسسها قبل اغتياله، كان ذلك الرصيد من العمل التنموي داعمًا لها عند تنظيم وقيادة المبادرة. تقول قبول: “رأينا أنه من المهم أن نعمل على توفير احتياجات اليمنيين خارج إطار المفوضية، بدلًا من الاستسلام”.

بعد أقل من عام من وصولها مصر، أُعلنت عن تأسيس مبادرة “مجتمع وجود” بهدف دعم وتمكين اللاجئين وادماجهم في المجتمع المستضيف وتوعيتهم بأهمية التسجيل لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وتوعيتهم أيضًا بحقوقهم الإنسانية بشكل خاص وحقوقهم كلاجئين عمومًا.وعبر المبادرة، نشطت قبول مع بقية الأعضاء على إعداد دراسة حول وضع اللاجئين اليمنيين في مصر، وسرعان ما تحولت مع انتشار جائحة كوفيد-19 إلى تقديم الخدمات الملموسة والنزول إلى الميدان.

برشور مبادرة: مجتمع وجود

قبول وكورونا: دور فعّال لخدمة اللاجئين

أدى انتشار فيروس كورونا المستجد إلى كارثة بحق اللاجئين اليمنيين في القاهرة لاسيما الذين توقفت أعمالهم ولم يتمكنوا من دفع ما عليهم من ايجارات أو شراء مواد تموينية، أصبح عدد من اليمنيين يتسولون في شوارع القاهرة، هذه الأمر عجّل عمل مبادرة مجتمع وجود.

 

أثناء زيارة أعضاء مبادرة وجود لمدرسة يمنية في القاهرة – الصورة من صفحة المبادرة على الفيس بوك

 

تقول قبول: “بحكم العلاقات التي كانت تربطني ببعض الشخصيات اليمنية منذ كنت أتابع قضية محمد، حصلت من بعض التجار وميسوري الحال على موارد مالية” وتتابع: “اقتنيت بها مواد غذائية وسددت بفضلها إيجارات بعض الأسر المتعسرة المهددة بالطرد”.

نجحت قبول مع أعضاء المبادرة في توفير 250 سلة غذائية للعائلات اليمنية التي فقدت عملها، لم تثنيها اجراءات حظر التجول عن توزيعها لمستحقيها.

تقول قبول :”كنا نؤدي زيارات لكثير من العائلات ونقوم بمساعدتها، وتمكنا بالفعل من إعداد قاعدة بيانات خاصة بالعالقين وأخرى باللاجئين والمقيمين وثالثة لأصحاب الأمراض المستعصية.

وبقيادة قبول، نشطت المبادرة في متابعة حالات اليمنيين الذين أصيبوا بفيروس كورونا المستجد، فتمت الاحاطة بهم وتوفير ما يلزمهم خلال فترة الحجر ولم تغفل قبول مع بقية الأعضاء عن مساندتهم بالنصح والتشديد على اتباع طرق السلامة والعزل.

 

صورة قبول، تعديل: Creative Design Services

 

* تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع غرفة أخبار الجندر الذي ينفذه مركز الإعلام الثقافي CMC.. وتم نشر المادة على موقع  المنظمة الإلكترونية للإعلام الإنساني: