CMC ـ غرفة أخبار الجندر ـ تعز:
رانيا عبدالله
«تعبت وأشعر أن ظهري سينقسم من حمل الماء، كل يوم نجلب الماء على رؤوسنا، وبالكاد يكفينا للاستخدام اليومي»..
هكذا وصفت الحجة عائشة (60 عاماً) معاناتها في جلب الماء على بعد 4 كيلومترات من المخيم الذي تقطن فيه مع عائلتها في مخيم جبل الروي، الواقع في قرية الأسدوح مديرية المعافر بمحافظة تعز (جنوبي غرب اليمن).
وتعاني النازحات من أوضاعاً معيشية صعبة في ذلك المخيم، فالنساء هناك يقطنّ مع أسرهن في مخيمات مصنوعة من أقمشة لا تقيهن حر الصيف ولا برد الشتاء، ولا حتى الأمطار، والمحظوظة منهن من تعيش داخل كهف صغير.
ولم تلتفت المنظمات الإنسانية والسلطات المحلية في المحافظة لمعاناتهن جراء تلك الأوضاع.
ودفعت المواجهات المسلحة في اليمن مئات الآلاف من الأسر إلى النزوح من مناطق الصراع إلى مناطق بعيدة هروباً من الموت.
وتتفاقم معاناة النازحين هناك مع انعدام المياه، والذي يعتبر عبئاً يضاف إلى معاناة النساء اللاتي يقع على عاتقهن مهمة جلبه على رؤوسهن، بينما الرجال يقومون برعي الأغنام، التي تعتبر مصدر الرزق الوحيد لهم.
ولا تقتصر معاناة النساء على جلب الماء، فانعدام الحمامات في المخيم يزيد من معاناتهن أيضاً، فأغلبهن يحاصرن أنفسهن، ولا يقضين حاجتهن إلا بعد غروب الشمس.
العطش شبح يترصدنا
تقطع الحجة عائشة وبقية نساء المخيم 4 كيلومترات، عبر طريق وعرة، لجلب مياه الشرب والاستخدام اليومي الذي بالكاد يكفي احتياجاتهن. ففي الصباح الباكر تتجه النساء بأوانيهن البلاستكية، ليعدن إلى منازلهن مع وقت الظهيرة.
وتقول : »إذا جلسنا وما قطعنا كل هذه المسافة، فلا أحد سيعطينا قطرة ماء، لكننا مضطرات، وإلا فإن شبح العطش يترصدنا«.
ويقطن في المخيم 220 شخصاً، نصفهم من الأطفال الذين تركوا مدارسهم، وانقطعوا عن التعليم، خصوصاً وأن المخيم يقع ضمن منطقة جبلية وعرة.
فيما يتساوى تقريباً عدد النساء وعدد الرجال في المخيم.
وما يزيد من مأساة النازحين، الشح الشديد في مستلزمات الحياة الضرورية، كالغذاء والدواء والأغطية التي باتت منعدمة، إضافة إلى أن المخيم بعيد عن الخدمات الأساسية، مثل المياه والمرافق التعليمية والصحية.
إهمال السلطة والمنظمات
ياسين عساج، مسؤول مخيم الخورة والأسدوح في عزلة المشاولة، يدرك حجم النقص في المستلزمات الحياتية الضرورية، مؤكداً في حديثه لـ”المشاهد”، أنه لا بد من التدخل العاجل من قبل المنظمات الإنسانية، والعمل على توفير المياه في المخيم، وكل ما هو ضروري كالخيام والأغطية، خصوصاً مع اقتراب فصل الشتاء.
ويقول عساج: «يعتبر النازحون هنا في أزمة إنسانية كبيرة، سببتها لهم الحرب، فمنذ أن فروا من الحرب منذ 3 سنوات، لم تلتفت إليهم المنظمات المحلية والدولية، إلا نادراً، حتى بتوفير الضروريات كالماء، وزاد الوضع سوءاً مع انتشار كوفيد ـ 19، الذي تحتاج فيه الأسر إلى كميات أكبر من الماء للتنظيف المتواصل، فالمياه التي يوفرونها بالكاد تكفي للاستخدام اليومي».
ويضيف : « العمل الوحيد لمساعدة النازحين في المخيم، كان من أحد فاعلي الخير، وهو تقريب مسافة مكان المياه بكيلومترين، عبر مشروع المياه التابع للعزلة، حيث تعاقد مع إدارة المشروع لمدة 6 أشهر».. مناشداً المنظمات الإنسانية سرعة التدخل لمعالجة وضع النازحين في المخيم، وحل مشكلة المياه التي تتضرر منها المرأة بالدرجة الأولى.
أفراح لم تعد تتعلم
الطفلة أفراح (15 عاماً)، بدلاً من أن تستيقظ الصباح، لتقصد المدرسة، تذهب لجلب المياه.
تتلاشى أحلامها يومياً، مع قطرات المياه المتصببة عليها من الأواني التي تحملها فوق رأسها.
تقول: «كنا قبل الحرب في بيتنا لا نجلب الماء إلا من الخزان القريب من المنزل، وكنت أذهب للمدرسة، وأتابع دروسي، إلى أن جاءت الحرب إلى قريتنا، وهربنا، وأصبح جميع من في المخيم بلا تعليم، وكل همنا هو كيف نوفر المياه».
تتنهد أفراح، ثم تتابع بمرارة: «من الصعب أن أكمل تعليمي وأنا في المخيم، لكن إن توقفت الحرب وعدت إلى قريتي، قد يصبح ذلك ممكناً، رغم أن السنين قد مرت، وفاتني الكثير».
تشير تقديرات المفوضية السامية للأم المتحدة لشؤون اللاجئين، إلى أن أكثر من نصف مخيمات اللاجئين في العالم غير قادرة على توفير الحد الأدنى للمياه لتلبية الاحتياجات اليومية، والبالغ 20 لتراً للشخص الواحد؛ كما أن حوالي 30% من المخيمات تفتقر للحمامات أو دورات المياه.
وبحسب المفوضية، تشكل قدرة الوصول إلى المياه والصرف الصحي حقاً أساسياً من حقوق الإنسان، وضرورة من ضروريات الحياة والصحة والكرامة.
https://www.unhcr.org/ar/4be7cc27611.html
تيسير السامعي، نائب مدير مكتب الإعلام والتثقيف الصحي بتعز، يقول: “إن أغلب الإسهالات المائية الحادة والكوليرا تنتشر في مخيمات النازحين”، مطالباً الحكومة والمنظمات الدولية “بالاهتمام بمخيمات النازحين، خصوصاً في جانب المياه والصرف الصحي، للتخفيف من انتشار الأمراض والأوبئة”.
ويؤكد السامعي أن شح المياه في مخيمات النازحين، هو السبب في انتشار العديد من الأمراض، مضيفاً: “كثير من الأمراض المعدية تنتشر في المخيمات، لذلك لا بد من توفير المياه في هذه المخيمات، ومن ضمنها مخيم الأسدوح، من أجل الحد من انتشار الأمراض كالكوليرا، فمخيمات النازحين لا بد أن يكون لها اهتمام خاص، لاسيما في جانب المياه”.بالرغم من فارق السن بين الحجة عائشة وأفرا ح، إلا أن معاناتهما واحدة، فهما كبقية نساء المخيم تنتظران نهاية حرب تتواصل منذ 6 سنوات، وغيرت مجرى حياتهن، فأجبرت أفراح على مغادرة مقاعد الدراسة، ومثلها كثيرات من بنات المخيم، وحتى أولاده. الحجة عائشة بسنواتها الـ60، تنظر لأفراح، ولا تريد لها أن تبقى تملأ الماء وهي في عمرها ذاك.
فقط تريدها أن تستيقظ صباحاً لتحمل حقيبتها وكتبها ومواصلة تعليمها، بدلاً من حمل المياه.
* تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع غرفة أخبار الجندر الذي ينفذه مركز الإعلام الثقافي CMC.. وتم نشر المادة على موقع المشاهد نت:
اضف تعليقا