CMC ـ غرفة أخبار الجندرـ  تعز ـ فاطمة العنسي :

فوق أكتاف رفقائه في المعتقل تمكّن “م. ع.” من التلويح بيد واحدة ونصف وجه لزوجته خارج المعتقل عقب سماعه صوتَها وهي تناشد المسلّحين السماح برؤيته من دون جدوى.تحكي أم محمد: “كانت نظراتهم مليئة بالحقد والغلّ، وكانوا يصرخون في وجهي ويحلفون أن زوجي غير موجود. حدث ذلك عقب اعتقاله من منزلنا في بداية 2016 جوار مسجد بمنطقة حزيزجنوب صنعاء تم تحويله الى معتقل. كانوا يهددوني بالنساء أو ما يطلقون عليهن بـ”أمهات الشهداء” لضربي وسحبي في الشارع”.

وتتابع: “في إحدى المرات رأيتُ يد زوجي تلوّح لي من النافذة، عقب سماعه لصوتي مطالبة الحراس السماح لي برؤيته، فاطمأننت وواصلتُ ووصلت مشوار المتابعة .

 

أثقال على كاهل المرأة

على كل المستويات ألقت الحرب اليمنية ظلال بؤسها على اليمن، ولكن الحمل الأثقل كان على كاهل المرأة، فقد استيقظت لتجد نفسها المسؤولة عن الأسرة وإعالتها، إما بسبب انخراط الرجل في الصراع المسلح، وإما بسبب فقدانه أو اعتقاله. فتحت الحرب شهية الأطراف المتنازعة إلى الاعتقالات التعسفية والإخفاء القسري بصورة لم يسبق لها مثيل، ففي الفترة ما بين مايو وإبريل 2020 وُثّقت 1.505 حالة من الاعتقال التعسفي و344 حالة تعذيب ارتكبتها الأطراف المشاركة في الحرب.

تصدّرت جماعة أنصار الله القائمة، تلتها القوات المدعومة من الإمارات، ثم الحكومة اليمنية والعناصر المسلحة، في مراكز اعتقال غير قانونية. وفق تقرير لمنظمة “مواطنة”.

كل ذلك وضع النساء أمام ظرف جديد يُضاف إلى قائمة الانتهاكات التي يتعرضن لها في مرحلة البحث عن ذويهن وأقاربهن في السجون وأمام المعتقلات إذ يواجهن أنواعا من العنف النفسي واللفظي وأحيانا الجسدي، وفي مقابل ذلك برزت قدرتهن أيضا في الدفاع والوقوف مع المعتقلين وأسرهم، حاصدات الجوائز المحلية والدولية في الدفاع عن حقوق الانسان.

“ضاعفت أوزار الحرب معاناة المرأة اليمنية، فبجانب تحملها مسؤولية الأسرة برمتها بسبب غياب الرجل وانخراطه في الصراع أو بسببفقدانه أو اعتقاله. وجدت المرأة نفسها في وضع صعب منذ 2011، وهي عملية البحث عن زوجها أو ابنها أو قريبها في السجون والمعتقلات، وأصبحت مجبرةعلى البحث والمتابعة وسط تعرضهالكثير من الانتهاكات”. بحسب المحامية الحقوقية في منظمة مواطنة سماح سُبيع.

وأشارت سبيع إلى أن المرأة في هذه الحالة لا تعرف الى أين تذهب وإلى من تلجأ، ناهيك عن معرفةحالة المعتقل، إذا كان مازال على قيد الحياة، وأضافت: “أسوأ ما يمكن عمله هو البحث عن شخص مخفي قسرا”.

معاناة تطول

قالت سبيع: “معاناة المرأة في هذه الحالة تطول، لاسيما الأمّيات منهن. نحن في منظمتنا نعمل على مساعدتهن، خصوصا في الإجراءات القانونية التي لا يستطعن إجراءها نتيجة الجهل وعدم التوعية، وأعمل منذ سنوات على مساعدة أسر المعتقلين والمخفيين قسرا، وأيضا على خلق مجتمع واع بحقوقه التي شرعها القانون والدستور اليمني”.

تشغل سُبيع منصب مديرة وحدة الدعم القانوني في منظمة مواطنة لحقوق الإنسان منذ منتصف 2015، وتعمل في مجال تقديم الدعم القانوني لضحايا الاعتقال التعسفي، والاختفاء القسري، وضحايا التعذيب والقتل خارج إطار القانون، وقضايا المرأة والطفل، وقضايا الأقليات الدينية، وحرية الرأي والتعبير، والقضايا التي يعتريها خلل في الإجراءات (قضايا ذات طابع مدني أو جنائي)، وكذلك في مجال تقديم الاستشارات القانونية.

تقوم سُبيع بالنزول الميداني إلى المحاكم والنيابات وأقسام الشرطة والمعتقلات وغيرها من الجهات ذات الصلة، للمتابعة القانونية وتقديم الدعم القانوني للضحايا، بالإضافة إلى العمل على مدّ جسور التواصل مع جميع أطراف النزاع من خلال عقد اللقاءات وإجراء الاتصالات مع تلك الأطراف لتوضيح معاناة الضحايا وأهاليهم، لتغيير وضع أولئك الضحايا والحدّ من تلك الانتهاكات.

وجاء اسم المحامية “سماح سُبيع” ضمن قائمة أكثر 100 امرأة ملهمة ومؤثرة في العالم لعام 2019، من ضمن 17 اسما من البلدان العربية، وهي قائمةأطلقتها شبكة بي بي سي البريطانية في أكتوبر من العام نفسه.

     المحامية سماح سبيع

وفي سياق متصل قالت رئيسة رابطة “أمهات المختطفين في اليمن” أمة السلام الحاج: “إن معاناة المرأة تبدأ منذ لحظة اعتقال أحد أقاربها لتشرع في مرحلة البحث والمتابعة، من سجنٍ الى آخر أمام كثير من الألفاظ السيئة،وقديبلغ الأمر حدّالاعتداء الجسدي”.

أصعب المراحل

تتابع الحاج: “أصعب المراحل هي الأولى؛ إذ يظلّ المعتقل مخفيا قسريا مدّة قد تصل إلى ستة أشهر، وفي حالات تستمر مدة أطول من ذلك، والمرأة لا تعرف الى أين تتوجه للسؤال عنه، وتظلّ في ذلك التيه المؤلم حتى يُسمح للمعتقل بالاتصال لإبلاغ أسرته عن مكان وجوده”.

وتضيف: “بعدها تبدأ مرحلة ترجّي الحراس وتقديم المال لهم من أجل السماح برؤية المعتقل، وتقديم الأكل له، وتخصص له زيارة واحدة في الأسبوع أو في عدد من الأسابيع وقد تكون زيارة واحدة في عدة أشهر، وتعاني النساء من ضغط نفسي في تلك الزيارة؛ إذ تقف في طوابير طويلة، وتعاني في عملية التفتيش، وتعاني أيضاعند رؤية المعتقل مريضا وحالته الصحية تتدهور ، فضلا عن قيام السجّان أحيانا بضرب المعتقل أوشتمه أمام زوجته أو قريبته للضغط النفسي على المعتقل وأسرته”.

وكانت أمة السلام الحاج  من أولى النساء اللاتي تعرضن للاحتجاز في صنعاء. عقبها عملت الحاج بدأب على تأسيس رابطة لمنظمة حقوقية محلية”رابطة أمهات المختطفين في اليمن”، وهي رابطة تضم فريقا نسويا من مختلف المحافظات اليمنية من أمهات وزوجات وقريبات المختطفين، وقد حملت على عاتقها مسؤولية إطلاق سراح المختطفين والدفاع عنهم، بالإضافة إلى الوقوف مع أسرهم ومساندتها.

وفيما يتعلق بأبرز نجاحات الحاج منذ تأسيس الرابطة هو إبراز قضية المختطفين والمخفيين قسرا حتى تصدّرت قضيتهم “ملفات السلام” في البلاد، بالإضافة إلى الحشد والمناصرة والتشبيك في الملف محليا ودوليا، وتقديمه إلى مجلس الأمن.

وقد عملت الحاج عبر الرابطة على الإفراج عن مئات المعتقلين لدى الجماعات المسلّحة في مختلف المحافظات اليمنية، بالإضافة إلى تقديم الدعم النفسي والقانوني للمعتقلين وأسرهم.

 

تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع غرفة أخبار الجندر الذي ينفذه مركز الإعلام الثقافي  (CMC)، وتم نشر المادة على موقع المشاهد:

https://almushahid.net/77897/