CMC ـ غرفة أخبار الجندر ـ مبارك اليوسفي:
تذهب كلّ صباح أمل (اسم مستعار) للعمل في إحدى المؤسسات التجارية في شارع حدة بوسط صنعاء وتعود قبل المساء. في الطريق تتعرض لكثير من المضايقات والتحرّش اللفظي بكلمات بذيئة وأخرى خادشة للحياء. اعتادت على هذا السلوك في الشارع، وتصفه بأنه أصبح عادة لم تعد تؤثر فيها؛ إذ تلجأ في معظم الأحيان إلى استعمال سماعة الأذن وسماع الأغاني والموسيقى بصوت عالٍ تجنبا لسماع أصوات الشباب المضايقة في الشارع،على حد قولها.
لم تتصور أمل أن تنتقل تلك الممارسات من الشارع إلى مقر عملها يومًا ما؛ إذ تذكرأنها كانت تشعر بداية الأمر بالأمان في عملها؛ الأمان الذي تفتقر إليه في الشارع، غير أنه مع مرور الوقت بدأت تشعر بمضايقات كلامية وكلمات تظهر الودّ وتلميحات جنسية من قبل مديرها الذي كانت تعمل معه سكرتيرة، وتقول إنها كانت تعدّها نوعا من المجاملة من قبل المدير لكونها أكثر شخص تختلط معه بحكم العمل.
ما هي إلا أيام معدودة حتى بدأت تشعر بتقرب مديرها إليها بشكلٍ كبير. وصل الحال به إلى أن يقوم بمسك يدها ويتحسس بعض الأجزاء من جسمها، وهو ما جعلها تشعر بخوف شديد. تضيف أمل أنه مع مرور الوقت بدأ مديرها يتحرش بها بكل قبح، وكاد يعتدي عليها. الأمر الذي دفعها إلى ترك العمل والبحث عن بديل.
ليست وحدها
ليست أمل وحدها مَن تتعرض للتحرش بشكل مستمر، بل هناك كثيرات غيرها لاسيما العاملات، ولا توجد إحصائية دقيقة ورسمية عن عدد النساء اللواتي يتعرضن للتحرش في أثناء ممارسة عملهن أو خلال قضاء يومهن الطبيعي، وفي استطلاع أجراه مُعدّ المادة على 45 امرأة من النساء العاملات في مختلف الوظائف والأماكن، أظهرت النتيجة أن 71% من العاملات تعرضن للتحرش، منهن 67% تعرضن للتحرش اللفظي بشكل مستمر، و22% تعرضن للتحرش الجسدي، و11% تعرضن للتحرش اللفظي والجسدي معا، بينما تشير النتائج إلى أن 33% تعرضن للتحرش من قبل أرباب العمل، و47% تعرضن للتحرش من قبل زملاء في العمل، وهناك 20% تعرضن للتحرش من قبل عملاء وزبائن مع الجهة التي تعمل معها المرأة وآخرين.
وتتنامي هذه الظاهرة يومًا بعد آخر؛ إذ تعد 75% من اللواتي أجبن على الاستطلاع أن انعدام الأخلاق سبب في التحرش، بينما يعيد 15% منهن السبب إلى الكبت العاطفي و10% يقلن إن هناك أسباب أخرى بالإضافة إلى الأسباب السابقة.
وتقول فاتن (اسم مستعار) إنها تخلت عن كثير من الأعمال بسبب تعرضها للتحرش أكثر من مرة، وقد أصبحت تخاف من الخروج حتى إلى الشارع، بل إنها أصبحت لا تخرج إلا للضرورة تحاشيا لهذه الظاهرة، وتضيف أنها لم تبلّغ عن أي أحد تحرش بها، وذلك لأنها تخشى من نظرة المجتمع، فالجميع سيعيد اللوم عليها.
وتشير نتائج الاستطلاع إلى أن 59% من النساء يتجاهلن المتحرش ولا يبدين أي ردة فعل، بينما 25% تركن العمل بعد أن تعرضن للتحرش، و9% يبلغن عن المتحرش في الجهات المختصة.
المرأة مذنبة
وفي السياق نفسه تقول فاطمة الأغبري (صحفية وناشطة في مجال حقوق المرأة): إن طبيعة المجتمع الذي يرى المرأة مذنبة فرضَ عليها فكرة تجاهل المتحرش وعدم الإبلاغ عنه، إضافة إلى أن المرأة إذا أفصحت لأهلها عمّا تعرضت له، قد يكون ذلك سببًا في حرمانها من الخروج أو العمل، وتضيف الأغبري أنه قد يكون المتحرش في أغلب الأحيان ربّ العمل، وهذا قد يؤثر على عملها إذا قدمت شكوى ضدّه، وقد تخسر عملها وتصبح في نظر الآخرين بنتا بلا أخلاق. أما من ناحية عدم تبليغ الجهات المختصة في واقعة التحرش فترى الأغبري أنها لا تحمي أحدا، بل العكس من ممكن أن تكون مشاركة في مثل تلك الأعمال.
وترجح الأغبري أن المعوقات التي تمنع المرأة من التبليغ ضد المتحرش عدم وجود جهات تحترم المرأة، بل على العكس تحوّل المرأة إلى جانية لا مجنٍ عليها، إضافة إلى أن المجتمع نفسه سيحول المرأة إلى جانية، وذلك يعود إلى ثقافة العيب والعار السائدة في المجتمع.
قانون ضعيف
تظهر نتائج الاستطلاع إلى أن 25% تعرضن للتحرش لمرة واحدة، بينما هناك 75% تعرضن للتحرش لأكثر من ثلاث مرات، ومعنى ذلك أنه أصبح سلوكا معتادًا عند المتحرش نفسه يقوم به بشكل مستمر، ويعود هذا إلى ضعف القانون، الذي يُعد غير ملائم وأحد أهم العوائق الأساسية للتعامل مع ظاهرة التحرش؛ إذ لا يوجد في اليمن قانون محدد لمعاقبة التحرش، ومع ذلك هناك قانون لمعاقبة الفعل الفاضح على النحو المبين؛ إذ تنصّ المادة 273 من قانون العقوبات اليمني على “أنه يتم تجريم أي عمل يسيء إلى الآداب العامة أو الشرف أو القيام بكشف المناطق الخاصة أو التحدث بطريقة مسيئة”، فيما تنص المادة 274 من القانون نفسه على المعاقبة بالحبس لمدة لا تزيد عن 6 أشهر أو بدفع غرامة عن أي شخص يرتكب فعلا فاضحا يمكن رؤيته أو سماعه من قبل الآخرين.
وبحسب تصريح المحامي زياد الدبعي تكمن الإشكالية في المجتمع نفسه لا القانون؛ إذ يعدّ المجتمع الإفصاح عن التحرش جريمة تسود عليها ثقافة العيب، وهذا يمنع كثيرات من اللجوء إلى القانون، ويؤكد أن المادة 270 من قانون العقوبات تنصّ على معاقبة أي فعل يطال جسم الإنسان ويخدش الحياء ويقع من شخص على آخر دون الزنا واللواط والسحاق، ويعتبر هتكًا للعرض، ويضيف الدبعي أن هناك لبسا في فهم القوانين يجب توضيحها أو إعادة تعريفها حتى تكون واضحة للجميع.
آثار نفسية
ويترك التحرش آثارا نفسية تعيشها الضحية وتستمر معها، وقد يسبّب لها خللا في تصرفاتها أو في تعاملها مع الآخرين، وتقول منيرة العبسي (متخصصة في مجال الدعم النفسي):إن من الآثار النفسية التي يتسبّب بها التحرش الخوف، وخصوصا خوف الفتاة من ردة فعل أسرتها أو من ردة فعل المجتمع عموما (الخوف من الفضيحة)، ويعود هذا الأثر إلى عدم تقبل المجتمع هذه الظاهرة وإعادة اللوم على المرأة في أغلب الأحيان، فيما قد تعاني المرأة من التوتر العصبي والإحساس بالإهانة، وينتج هذا من إحساس المرأة بالتنقيص من قيمتها وكرامتها بوصفها إنسانا، مما ينعكس سلبا على شخصيتها فتصبح ضعيفة الشخصية لا تقوى على مواجهة أي شيء، وهو ما قد يؤدي هذا إلى الإصابة بالاكتئاب والرغبة في العزلة، ويكون في الغالب ناتجا من عدم قدرة المرأة على مصارحة شخص ما بما حدث، فتضطر إلى العزلة.
وتضيف العبسي غالبا ما تحدث مع المرأة التي تعرضت للتحرش اضطرابات في النوم وظهور أعراض مرضية والإحساس بالأرق والصداع، وهو تطور للآثار السابقة وتتطور إلى أن تصبح حالات مرضية تدل على معاناة نفسية حقيقية.
وتشير العبسي إلى أن هناك حالات أخرى قد تصيب المرأة وتغير علاقتها بذاتها؛ لأن المتحرَّش بها تفقد ثقتها بنفسها، ومن ثم تلوم نفسها لأنها تعرضت للتحرش وتعد نفسها مذنبة، وكذلك يمكن أن تشعر الضحية بحقد وكره شديدين تجاه الجنس الآخر، وهذا يؤثر على علاقتها مع أفراد عائلتها الذكور بل على نظرة المجتمع.
وتنوه العبسي إلى أن النساء اللاتي يتعرضن للتحرش أثناء ممارسة عملهن يؤثر ذلك بشكل سلبي عليهن نتيجة ما يخلفه من آثار نفسية، وهذا قد يعرضها إلى مجموعة من العقوبات التي تؤثر على وضعها المهني والمالي إذا رفضت مطالب المتحرش الذي قد يكون يمارس عليها سلطة قوية في أثناء العمل، وقد تتعرض للإهانة والنقل إلى مكان عمل آخر أو طردها، وهذا يولد شعور لدى المرأة بأنها ليست مرغوبة أو بالأصح أنها ليست إلا سلعة للمقايضة.
اضف تعليقا