CMC ـ غرفة أخبار الجندر ـ  رشا فريد :

أثناء مروري يوميًا في الصباح ذاهبة إلى عملي أصادفها. تلك السيدة الثلاثينية وهي تنتظر مرور الحافلة لتستقلّها مع ولدها الكفيف ذي الثمان سنوات.استوقفتني اللحظة الإنسانية،فتحدثت معها معجبة بتحمّلها تلك المسؤولية الجسيمة؛ فهي تقوم يوميًا بتوصيل ابنها إلى مكان تلقيه التعليم: مدرسة النور للمكفوفين في المعلا.سألتها عدة أسئلة وأجريت معها هذا الحوار.

بدأت مها تسترسل في الحديث وهي تحكي لنا حكايتها. مها التي لديها كثير من الأطفال غير”أحمد فهمي” ذي الثماني سنوات.أحمد الطفل البريء الذي يرى الناس بقلبه لا بعينيه، ويحدثهم بكل ودّ؛فأحمد صاحب قلب كأنه عصفور صغير، مع أنه يعاني من مرض “الزرق الخلقي” وهو ارتفاع ضغط العين الخلقي منذ يوم ولادته.

سألتها في البداية عن ردة فعلها عندما أُخبرتبأنالمولود كفيف؟ فقالت: أحسستُ بالصدمة، ولم أستوعب لحظتها، ولكني تمالكت نفسي واحتضنت ولدي بين ذراعي، ومثل أي أم في الدنيا، ربيته واهتممت به، وسوف أستمر بتربيته إلى أن يكمل دراسته الجامعية بإذن الله.

وأردفت مها بالقول: واجهتُ صعوبات جسيمة في تربيته، فأنا غير مؤهلة للتعامل مع حالة طفلي، ولكني حاولت جاهدة أن أتعامل بكلّ صبر مع متطلباته وأسئلته؛ فهو مثل أي طفل طبيعي يحب أن يستكشف البيئة المحيطة به،وهو لا يملك حاسّة النظر، لكنه يسأل دائمًا عن كلّ شيء يصادفه ويلمس كل شيء تقريبًا. كان لا بد أن يكون قلبي واسعًا جدًا للإجابة عن كل تساؤلاته البريئة، ولابد أن أكون متنبهة لكل الأخطار التي قد تواجهه نتيجة لحبه للاستكشاف.

ومن أكبر الصعوبات التي ما زلت أواجهها أنه يصرّ دائمًاعلى أن يخرج في الشارع مع إخوته للعب، لكني لا أستطيع السماح له بذلك خوفًا عليه، ولأنه ليس هناك أي مكان يذهب إليه الأطفال الذين هم مثل حالته.

وتحدّثت مها عن جدولها اليومي مع طفلها، فقالت طفلي يصحومن النوم مبكرًا، فأضطر أن أصحو قبله في الساعة الرابعة فجرًا.أصحو وأطبخ الفطور له ولأخوته، ثم أقوم بتجهيزه والذهاب به إلى المدرسة ثم العودة به، وأقوم بمهامي اليومية في المنزل إضافة إلى تربيته وأخوته، ويساعدني زوجي كثيرًا في ذلك.

وعن سؤالي حول مقدار تقبل الأسرة لوجود طفل كفيف بينها وكيف يتعامل معه أخوته وأقرانه،أجابت: يتعامل معه أخوته الأكبر منه والأصغر منه باهتمام مقدّرين حالته.يصطحبونه معهم للعب في الخارج ويذهبون به إلى المسجد وهكذا.لديه عدد من الأصدقاء يشاطرونه اللعب ويهتمون به، لكنه لا يستطيع اللعب معهم ومشاركتهم الألعاب مثل كرة القدم والعدو والسباق،فهم يتفهمون حالته ويحاولون إشراكه بنشاطاتهم الأخرى ومزاحهم وحديثهم أيضًا.

وعن سؤالنا حول ما قدمته الجهات المختصّة لهم بشكل خاص وللمكفوفين بشكل عام،أجابت: تُعدّ مدرسة النور التي يدرس بها طفلي مدرسة حكومية، وتحظى بالدعم من بعض فاعلي الخير، وبالرغم من ذلك ما زلنا بحاجة إلى مزيد من الدعم.

سألتها عن اقتراحاتها لتحسين وضع المكفوفين بشكل خاص وذوي “الهمم” بشكل عام. فردّت أنهاأتمنى أن تأتي الحافلة لكل المكفوفين إلى منازلهم.لستُ أعاني وحدي من هذه الصعوبات، لكن هناك أناس في أماكن أبعد مني في منطقة الخيسة مثلًاومدينة إنماء والشعب وغيرها. فأنا تعبت جدًامن المواصلات وأتمنى من الجهات المسؤولة توفيرها لنا،وهذا ضروري لخصوصية الحالة التي يعاني منها الأطفال المكفوفين.

هل لديكِ طلب أو مناشدة للجهات المسؤولة؟أجابت: أنا في ورطة ولدي مهدّد؛ففي أي لحظة يمكن أن يتسبب له ضغط الدم بنزيف في أوردة العين؛ فهو يحتاج إلى عملية عاجلة وأنا عاجزة كليًا عن إجرائها له، ولم يدعمني أحد للأسف.ومن هنا أناشد الخيّرين لمساعدتي في عمل العملية وتسفير ابني وعلاجه.

 * تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع غرفة أخبار الجندر الذي ينفذه مركز الإعلام الثقافي CMC.. وتم نشر المادة على موقع الأيام:

https://www.alayyam.info/news/8JLBWZ3I-MFKD6Q-4A32